dimanche 24 juillet 2011

ثورة تونس والاخطار المحدقة رأي القدس

ثورة تونس والاخطار المحدقة
رأي القدس
2011-07-22
زائر تونس هذه الايام يلمس حدوث تغيير كبير ليس فقط في المزاج الشعبي العام، وانما ايضا على صعيد الحراك السياسي، والتفاعل الاجتماعي، ولكن هذا لا يعني عدم وجود حالة من القلق المستتر حول ما يمكن ان يحمله المستقبل من مفاجآت.
المزاج الشعبي في تونس يعكس حالة من الارتياح الشديد بفعل نجاح الثورة في الاطاحة بأكثر النظم ديكتاتورية في شمال افريقيا، ان لم يكن في المنطقة العربية باسرها، فنظام الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي حكم البلاد من خلال اجهزة امنية قمعية صادرت الحريات، وكممت الافواه، وحمت منظومة الفساد المكونة من 'مافيا' الاسرة الحاكمة، وزوجة الرئيس السيدة ليلى بن علي واشقائها واقاربها.
النخب السياسية تشعر بالارتياح ايضا، بل ما هو اكثر منه، فقد وجدت نفسها امام سقف عال من الحريات لم تحلم بمثله منذ اربعين عاما، وهي حريات حولت تونس برمتها الى ورشة عمل، وبرلمان مفتوح تتصارع فيه الآراء والتيارات والايديولوجيات السياسية المختلفة دون رقيب او حسيب، فلا قيود مطلقا على حرية التعبير.
وكان من الطبيعي، وفي ظل اجواء الحرية هذه، ان يتضخم عدد الاحزاب السياسية المرخصة (مئة حزب حتى الآن)، وان تتضخم في الوقت نفسه اعداد الصحف اليومية والاسبوعية ومحطات التلفزة، وهناك العديد منها حصل على ترخيص رسمي، بينما ينتظر عدد آخر الحصول عليه.
كثرة عدد الاحزاب والصحف ظاهرة صحية في بلد متعطش للديمقراطية، وقلق البعض من هذه الظاهرة مبرر، ولكنه ليس بالامر الخطير، فجميع البلدان في العالم، التي شهدت ثورات ديمقراطية، واجهت الظاهرة نفسها، ونحن نتحدث هنا عن دول الكتلة الاشتراكية على وجه الخصوص.
بمرور الوقت، وبعد هدوء العاصفة، تنحسر ظاهرة كثرة الاحزاب، وخاصة بعد الدخول في دورة الانتخابات البرلمانية، فسيكون امام معظم هذه الاحزاب، والصغيرة منها على وجه الخصوص، احد الخيارين: فاما الاندماج او الاندثار، حيث من المتوقع ان تستقر الامور على الاحزاب الكبرى القادرة على الاستمرار من خلال كسب ثقة الناخبين، وتأسيس قاعدة شعبية عريقة.
حزب النهضة التونسي الذي يتزعمه الشيخ راشد الغنوشي يشكل الهاجس الاكبر لقطاع عريض من الاحزاب والشخصيات العلمانية في تونس، حيث تؤكد معظم استطلاعات الرأي على امكانية حصوله على اربعين في المئة من مقاعد البرلمان في حال اجراء الانتخابات في موعدها في شهر تشرين الاول (اكتوبر) المقبل.
الخوف من حزب 'النهضة' يعود الى حرص هذه الاحزاب العلمانية واليسارية على 'المكتسبات' التي تحققت للمرأة، وبعض اوجه الحياة الليبرالية في زمن البورقيبية، حيث يعتقد العلمانيون والليبراليون واليساريون ان فوز الاسلاميين بالاغلبية في البرلمان ربما يجعلهم قادرين على تغيير الكثير من القوانين الليبرالية هذه، واستبدالها بقوانين تفرض الشريعة الاسلامية وكل ما تمليه من فرض للحجاب والسماح بتعدد الزوجات وغيرها.
الشيخ راشد الغنوشي يحاول ان يبقي اوراقه قريبة جدا الى صدره، وان كان يعمل في الوقت نفسه على طمأنة هؤلاء بالقول بان مخاوفهم في معظمها في غير محلها، ويؤكد على تمسكه بالديمقراطية والتعددية السياسية، ويبتعد كليا عن بعض الممارسات المتطرفة لبعض الاسلاميين خاصة تلك التي اتسمت بالعنف اثناء هجوم على قاعة سينما عرضت شريطا منافيا للاسلام.
الوضع الاقتصادي هو القلق الاكبر الذي قد لا يلتفت اليه الكثيرون في غمرة الحراك السياسي النشط، فتونس تعاني عجزا اقتصاديا يصل الى سبعة مليارات دولار على الاقل بفعل انهيار الموسم السياحي، وجميع الوعود بتقديم قروض او مساعدات اقتصادية من الدول الغربية، ما زالت حبرا على ورق، ولم تعط جولة رئيس الوزراء الباجي قايد السبسي الخليجية ايا من ثمارها، فقد احجمت الدول الثلاث التي زارها (قطر والكويت والامارات) عن تقديم تعهدات حاسمة بالدعم، وكان لافتا ان السيد السبسي وهو سياسي مخضرم لم يزر المملكة العربية السعودية اثناء هذه الجولة لانه لم يجد ترحيبا به على حد قول احد الدبلوماسيين التونسيين.
الثورة التونسية تواجه بعض الصعوبات بعد ستة اشهر على تفجيرها من قبل الشباب الغاضب من الجنسين، نتيجة البطالة والقهر وغياب الحريات الاساسية، وهذا امر طبيعي ومتوقع، ولكنها تسير في الاتجاه الصحيح، وستتغلب عليها جميعا، وان كان ذلك سيحتاج بعض الوقت، فليس من السهل ازالة تراكمات سلبية تحجرت على مدى اربعين عاما من الديكتاتورية وغياب الحريات السياسية.