jeudi 2 juin 2011

القاضي المعز بن فرج في حديث شامل لـ"الصباح" هناك قوى خفية تعرقل استقلالية القضاء.. ودولة القانون

#TAC# القاضي المعز بن فرج في حديث شامل لـ"الصباح" هناك قوى خفية تعرقل استقلالية القضاء.. ودولة القانون
لا يختلف قسطاسان، ولا ميزانان، في أن دولة القانون لا تقام أسسها ولا تشيد أسوارها إلا باستقلالية القضاء، وبالتالي القطع مع الفساد بكل ألوانه وأنماطه و"تجلياته" ولا يتعارض قاضيان شريفان، ولا محاميان حران حول استتباب الأمن ونشر العدالة، وإقامة صرح مجتمع متراص الصفوف إلا باستقلالية مطلقة للقضاء، لا مجال فيه للوصاية والتدخل من أي طرف، ولا من أية سلطة سياسية أو شعبوية... ولا يتجادل اثنان، شخصان أو قلمان في أن القضاة والمحامين صرحان عتيدان، وركيزتان أساسيتان في السلطة القضائية.. ..ولكن كيف حال قضائنا بعد الثورة؟ وكيف كان حاله في العهد البائد؟.. وكيف يتصرف قضاؤنا حاليا مع ملفات الفساد المطروحة عليه.. ذلك الإرث الثقيل المنهك الذي خلفه لنا المخلوع وأصهاره وعائلته وزبانيته..؟ وأين تكمن علاقة القضاء بالديمقراطية وحرية التعبير؟ هذه الأسئلة وغيرها طرحناها على القاضي المعز بن فرج، رئيس دائرة بالمحكمة الابتدائية بالعاصمة ومدرس بالمعهد الأعلى للقضاء، وبكلية العلوم القانونية والسياسية بتونس... وحين يخرج "القضاء الصامت" عن صمته، فيشرّح المؤسسات الحساسة والهياكل المهمة في المجتمع ويحلل الأوضاع بكل ديمقراطية وشفافية واستقلالية، نكتشف الكثير.. والكثير... إجابة عن سؤالي الأول المتمحور حول القوى الديمقراطية ودورها في تكريس سلطة قضائية مستقلة... وفيم يتمثل هذا الدور... يقول القاضي بن فرج: "يثير هذا السؤال مشاكل نظرية عدة، فهو يفترض وجود قوى ديمقراطية من جهة وهذا أمر ليس محسوما في نظري أقله في المدى المنظور، ومن جهة أخرى يطرح فكرة السلطة القضائية المستقلة كطموح راهن لهذه القوى. ما ألاحظه شخصيا، أن هناك قوى مقاومة للاصلاح القضائي وهي على الأرجح صنفان: ـ الصنف الأول: مكشوف يقوم باتهام القضاء بالعجز عن القيام بالاصلاح، أو على الأقل بكونه يمارسه ببطء ! هناك بطء بالفعل، هذا حق لكن التنديد به من طرف القوى التي صنعت الارث الذي يجعل الاصلاح اليوم ضرورة ملحة، هو تنديد لا يمكن أن يدخل في دائرة الحق، بل هو حق مزيف يراد به، أو يمكن أن يراد به باطلا. ذلك أن اتهام القضاة بالعجز عن الاصلاح معناه التشكيك في صلاح الاصلاح الذي تدعيه، وبالتالي يكون ابقاء ما كان على ما كان، هو عين الاصلاح. أما الصنف الثاني من القوى المناهضة للاصلاح القضائي فهو خفي وبعض العارفين يطلقون عليه "جماعة الضغط". وفي المحصلة لدينا قوة أضاعت في هذه الفترة الوجيزة بعد ثورة 14 جانفي وما تبعها من تحالفات وتراجعات، مصداقيتها وقدرتها على التأثير، وخطابها لا يعترف الآن بإمكانية بناء قضاء مستقل وهو عمليا يمارس الإلغاء والإقصاء لكل من تسول له نفسه أن يكون مستقلا أو أن يستخدم الديمقراطية بشكلها الطبيعي.. أصوات.. وأصوات قد نستذكر معا أصواتا متفردة، ومواقف منفردة، إلا أن هذه الأصوات لا تشكل خطابا منشقا، وتلك المواقف لا يمكن أن تشكل منهجا واتجاها حاسمين. ان وجوب حضور القوة الديمقراطية مسألة لا تتعلق بالأماني ولا بد من التأكيد أن ضرورتها لقضاء مستقل حاسمة كما أن غيابها ليس قدرا لا مرد له. إلا أن حضورها أو غيابها رهن عناصر شتى موضوعية في أكثرها يرفدها إرث كبير من الأحلام وربما من الأوهام في بناء سلطة قضائية مستقلة، قد تكون الآن على مفترق أساسي وقد تكون الفرصة مواتية اليوم. الآن، يسود الساحة الفكرية شعار واحد هو التحول الديمقراطي، وهو شعار يضمر شعارا آخر.. "الديمقراطية هي الحل".. "الديمقراطية هي الحل".. هل هو الشعار الأنسب لحل مشكل استقلال القضاء؟ - مهما يكون الجواب، فإن الأمر الوحيد الذي أستطيع أن اقوله هو أن التجربة التي تعرفها تونس اليوم في مجال التحول الديمقراطي قد أثبتت، إلى حد الآن على الأقل، أنه يمكن أن يكون هناك قدر كبير من الحريات العامة، حرية التعبير، حرية التجمع، حرية تكوين الأحزاب السياسية، وقدر كبير من الكلام على الديمقراطية والتنويه بها من القاعدة إلى القمة ومع ذلك تبقى الديمقراطية مطلوبة، وأكثر من ذلك يبقى السؤال بل أسئلة استقلال القضاء مطروحة ربما بأكثر حدة !! أحوصل فأقول: ان الاصلاح القضائي ممكن، ذلك أن الاصلاح مسألة ارادة، فهو لا يحتاج إلا إلى قرار سياسي... ولا بد لكي ينجح الاصلاح من اختيارات تتماشى مع ارادة الشعب التي تتلخص اليوم في كلمة واحدة "الديمقراطية".. كما أن الآراء الحسنة والتصريحات المنعشة وحدها لا تكفي في الاصلاح، بل لا بد من أن تقترن بالأعمال الصالحة ولا بد أيضا من تعاقب "حكومات أخيار" ترعى الاصلاح وتواصله إلى أن يصير الأمر على أفضل تدبير. الاعلام والقضاء.. كيف تتراءى لك هذه الثنائية؟ - لقد جهد العهد السابق على تحصين سمعة القضاء عبر كم الأفواه والتربص لأي انتقاد يوجه ضده لاسكاته وملاحقته بقطع النظر عن مدى رصانته أو مشروعيته على تحصين استقلاليته ووظيفته، فلا حوار، ولا نقاش، حول مسألة تثار في الصحف، انما الملاحقة فقط وملازمة الصمت حيال الانتقادات، تارة بحجة سرية التحقيق وطورا بحجة وجوب التحفظ لدى القضاة وأحيانا أخرى لتفادي التأثير فيهم ! وكأنما الهدف ليس اصلاح القضاء انما اكراه الناس على الإيمان بتنزه القضاء عن الخطإ واكراهم بالتغاضي عن الأدلة الظاهرة، الجلية كالشمس، على قابلية القضاة كأشخاص للسقوط. القوة الشرعية واعتبر أنه في العهد البائد قد استهلكت "السلطة" الحيز الأكبر من رصيدها في التعامل مع الرأي العام فأصبح هامش تحركها محدودا ولا محل فيه لا للازدهار ولا للتقوية ولا للوعود والوعيد.. ولم يبق أمامها لتثبيت وجودها وتنفيذ مقرراتها إلا وسائل معدودة وفي طليعتها استعمال القوة الشرعية عملا بالقاعدة القائلة: "من اشتدت وطأته وجبت طاعته". والملاحظ أن الحكومة البائدة تتحمل المسؤولية في سوء التعامل مع الأزمة، فانها رغبت في أن تدفع المعارضين إلى السلبية لتؤاخذهم عليها فيما بعد ولتصفية حسابات معهم أو مع بعضهم . أما الآن وبعد الثورة، فهو من الأفضل في رأيي أن نترك جانبا مسائل «الهيبة» لنرجع إلى اقتراحات اصلاحية أكثر جدية، فان يصان القضاء من الانتقادات الملقاة جزافا أو من التحقير أمر وجوبي لكن أن تتحول محاربة الانتقادات اساسا في الاصلاح القضائي، فهذا ما لا يقبله مواطن عاقل، بل هذا هو بالضبط ما يمس كرامة القضاء بل كرامة الدولة برمتها. فالكرامة تعود للقضاء بعودة الثقة إليه بادائه الملموس لدى الناس، بانجازاته الحقيقية، وبالتحاور والتشاور والشفافية، وليس بالسرية والتستر عن العيوب الظاهرة. ولعل قائلا يرد علينا ان أي انتقاد لا يؤول أبدا إلى الاصلاح لاستحالة الاصلاح في الظروف الحالية انما فقط اشاعة البلبلة وربما نعي القضاء ـ وهكذا فان الخيار ليس خيارا بين الشرف السلطوي، الشرف القائم على التسلط وكم الأفواه (الهيبة في مفهوم التونسي) والشرف الأخلاقي ( القائم على المثل العليا)، كما قد يخيل لأصحاب النيات الحسنة انهم بين المحافظة على شبح القضاء والحيلولة دون انهياره وانتشار العدالة الخاصة والفوضى... وهذا القول يصدق فقط اذا كان الاصلاح القضائي مستحيلا في الظروف الراهنة، وهو أمر نشك فيه، ولاسيما بعد ولادة حكومة تعلن تنزهها عن الاغراض والمآرب الخاصة... هناك شرط واحد مفاده أن القضاء هو "الصامت الوحيد"، لذلك لا يجوز انتقاده فيما يقتضي ألا يخرج عن صمته، ولاسيما أن الاعلام التواق إلى إثارة الناس وغوغائية السياسيين تعرضان لانتقادات...؟ - هنا نصل إلى بيت القصيد، فمنطقهم يؤول إلى كبت الناس لأن القضاء صامت، فيما أليس من الأفضل أن نستخلص من الانتقادات أن للناس اهتماما كبيرا بالقضاء، ودولة القانون والحاجة إلى الحوار؟ الضمانة الأولى ثمة حقيقة غالبا ما يتغاضى الناس عنها، وهي أن اهتمامهم بالقضاء ووعيهم بدوره الأساسي في المجتمع، هو الضمانة الأولى لاستقلاله وسلطته، فهذا الأمر وحده يجعل القضاء منبثقا من الشعب حقيقة، ويجعل الناس غيورين استقلاليته وقانعين بوجوب حماية استقلاليته، وهو يفرض ولا بد، ارساء أنماط من الحوار بين الناس والقضاء تحول دون الأفكار المسبقة. والحل يتمثل أساسا في دعوة القضاء بطريقة من الطرق الى ارساء حوار مع المجتمع. لكن ما يبعث على الحيرة والتساؤل والاستغراب، الحملة الاعلامية على القضاء، فبعض الاعلاميين يتعمد اظهار القضاء وكأنه جسم خزب، فيتولى ابراز بعض المشاكل التي يتعرض لها هذا الجسم، وكأنها مشاكل مستعصية، أو يتعمد نعت القضاء بنعوت تشكل في حد ذاتها جريمة. على كل، المهم/ الأهم، يجب أن يعلم الجميع، أن للقضاء مصداقيته، فلا يجوز أن يكون القضاء سلعة اعلامية يتداولها الناس، فعمل القاضي لا يمت الى السياسة بصلة. ولا شك في أن للصحافة دورا ايجابيا وأساسيا في تصحيح الوضع القانوني للسلطة القضائية، وهذا هو الدور الذي يرسخ السلطة القضائية، ولا شك أيضا في أن بعض الاعلام يظهر القضاء كأنه شبح لا وجود له، جسم مريض خرب، وهذا لا يمكن قبوله، لأنه لا يدخل تحت طائلة الانتقادات التي أساسها الاصلاح، بل اعتبره نقدا يمس بكرامة القضاء، بل كرامة الدولة برمتها. والأمثلة عديدة، منها الضجة الاعلامية حول قرار المجلس الأعلى للقضاء في عدم رفع الحصانة على القاضي فرحات الراجحي: هل يجوز في حصة تلفزية تناول المسألة بتلك الطريقة، هكذا وعلى مسمع الجميع، يتحول قرار المجلس، لا يعطي إلا بعد دراسة، الى محل انتقاد على السمع، وتقييم السمع! فأين نحن من مقولة استقلال القضاء؟!.. القضاء المتآمر ٭ وهل يجوز نعت القضاء بالمتآمر على خلفية عدم السرعة في فصل قضايا عائلة الرئيس المخلوع والبت في القضايا المرتكبة من أصهاره وأقربائه؟ - إن هذه القضايا تتطلب التأني والتعمق حتى لا يضيع الحق، هذا من جهة، ومن جهة أخرى وجب احترام القانون ليكفل لكل شخص محاكمة عادلة، فهل تريدون قضاء مستقلا قوامه الديمقراطية أم قضاء شعبويا؟! إن سلامة العمل القضائي، ليس من مسؤولية القضاء فحسب، بل هو مسؤولية المجتمع أيضا بكل شرائحه، وهذا الأمر يستتبع سلامة في التعاطي مع السلطة القضائية، واجتنابا لكل ما يسيء الى مسارها الهادئ، وخصوصا امتناعا عن التدخل في الموضوع القضائي كلما كان هذا التدخل، راميا الى محاولة زعزعة الثقة بالقضاء بغير وجه حق..! ٭ استقلال القضاء موضوع الساعة، وقد كثر الكلام عنه، وهو كلام سياسي في معظم الأحيان، فماذا يعني بالضبط استقلال القضاء؟ - في البداية يجب أن أوضح أنه لا يعني اذا انتخب مجلس أعلى للقضاء استقلت السلطة القضائية. فمشروع الاصلاح القضائي يجب أن يأتي شاملا لجميع جوانب عمل القضاء بدءا من استقلالية السلطة القضائية تجاه السلطة السياسية وصولا الى التفاصيل التقنية اليومية التي تعترض القضاة والمتقاضين على حد السواء. فلا يمكن بالتالي تصور أي حل للمعضلات التي يشكوها القضاء في عمله، في حال تم ايجاد حلول للمشاكل التقنية اليومية، دون تأمين الضمانات الكافية لتأكيد استقلالية القضاء في وجه تدخلات السلطات الأخرى في عمله وتعزيز نزاهته. في المقابل، إن تحصين القضاء تجاه السلطة السياسية ومنحه جميع الضمانات واستقلاله لا يكفي تسيير عجلة العدالة على وجه سليم، اذا لم يزود القاضي بالوسائل القانونية اللازمة لحل المشاكل التقنية التي تعترضه خلال أداء مهمته. لكن، لما كانت الوسيلة الوحيدة لأي اصلاح هي التشريع، فإن الأهم من ذلك كله هو وجود نية حقيقية لدى السلطات السياسية في اجراء هذا الاصلاح واحداث النقلة النوعية على صعيد السلطة القضائية. وهذه النية تتجلى باعتماد مشروع متكامل للاصلاح القضائي بأوجهه كافة من قبل السلطة السياسية نفسها. ويبقى على القضاة أن يساهموا بصورة فاعلة في هذا الاصلاح بتوسيع دائرة مطالبه لتشمل جميع أوجه المشاكل التي تعترضه، بحيث يتلاقى مع الطروحات الهادفة الى تعزيز استقلاليته ومناعته، وبالتالي تعزيز الديمقراطية وإقامة دولة القانون. نحن لا نتردد في القول بأنه اذا حاد القضاة عن جادة الصواب، أو اذا رأيتم ما يوجب عليهم تغيير اتجاههم، فإن نصحهم ميسور بالطرق الرشيدة والأساليب اللطيفة. أما الأمر الخطير الذي لا فائدة من ورائه في أية حال من الاحوال، فهو أن يقال باسم الحرية أشياء مخالفة للحقيقة، وأن تقع مغالطة مقصودة وتنتشر أشياء واهية لغرض أناني يرمي الى نسف النظام القضائي وتهديم الدولة وعرقلة بناء، جاهد الشباب الثائر لفائدة تشييده. الغرائز الشريرة وأعتقد أن مسؤولية الصحافي في الوقت الراهن مماثلة لمسؤولية الحكومة في كل ما يتصل بنجاح وتقدم هذا المجتمع، وعلى كل من يملك شيئا من التأثير على غيره أن يقوم بذلك في المنهج القويم وأن يقاوم الغرائز الشريرية ويدعم المبادئ الفاضلة والأسس العليا، كما أعتقد أن الصحافي اليوم ستواجهه ظروف يحكّم فيها ضميره، وإنها لمسؤولية كبرى في اختيار موقف من مواقف متعددة لارضاء الضمير، وإني أعجب من بعض الصحفيين، وهم أقلية والحمد لله، لا يعلقون أية أهمية على هذه المسائل ولا يترددون في كتابة مواضيع تعتبر من باب دس السم في الدسم ونشر الحقد والكراهية، كما لا يترددون في نشر أشياء تجرح الشعور وتمس من القضاة. والخطر الصحفي هو المتمثل في امكانية قيام الصحفي بنشر أمور تخالف الحقيقة، دون أن يشعر أي انسان بأن ذلك مخالف للحقيقة. علاقة متوترة؟ ٭ العلاقة بين القضاة والمحامين، تبدو متوترة هذه الأيام.. فكيف تنظرون الى هذا الأمر؟ - غني عن البيان أن للسادة المحامين، ومن ورائهم الهيئة الوطنية ماضيا وحاضرا ومستقبلا ان شاء الله، دورا بارزا في تدعيم بناء سلطة قضائية مستقلة، فمطالبهم تنحصر دائما في تكريس المبادئ الأساسية التي تقوم عليها دولة القانون والحق.. لا داعي لابراز هذا الدور الآن، ولكن سأكتفي بالقول أنه بعد ثورة 14 جانفي 2011 لاحظنا جميعا نضالا من المحامين ودعما لاستقلال القضاء مقتنعين أن استقلال القضاء هو الشرط الأساسي لقيام دولة القانون. أعتقد أنه في الوقت الراهن من واجب المحامي الاهتمام بالشأن القضائي، مدافعا عن القضاء كلما تعرض الى اجحاف، أو ما يشكل مسا باستقلاله وعصمته. المطلوب من السادة المحامين، ابداء الملاحظات واسداء النصائح كلما قصّر القضاء في اتمام ما هو مطلوب منه لاحقاق الحق وتوفير العدالة. فالمحامون ليسوا عن الدار غرباء، والقضاة والمحامون في مركب واحد، وأمام حتمية واحدة لم تعد تقبل النقاش ولا التأجيل، وهي الخروج من هذه الدوامة عن طريق اصلاح جذري وشامل للنظام القضائي بأكمله. أنهي وأقول أنه لا تستطيع حكومة، ولا حتى عشر حكومات، أو غيرها من القوى، أن تحتل العدلية، ليس هناك من حق امرة على القاضي. أنا من الذين يقولون أنه يجب التركيز على تغيير في الذهنيات والعقليات أكثر من الآليات. الارهاب و"الحرقان" كثر الحديث منذ مدة عن الارهاب و"الحرقان" فما رأيك في هذين الامرين الخطيرين؟ - الشبان الذين يقومون بعملية "الحرقان" هم يعلمون علم اليقين انهم معرضون للغرق، او للقبض عليهم، وعندما يسأل أحدهم: كيف تسمح لك نفسك بالقيام بـ"الحرقان" وأنت تعلم ان المصير قد يكون الغرق المحقق؟ يجيب انه لا يرى أمامه أي بديل آخر، فالتعرض للغرق بنسبة 90% أفضل من الاستمرار في معاناة البطالة معاناة 100% وإذا حاولت اقناع احد هؤلاء بعدم صحة هذا المنطق، عرض عليك وضع الأم والأب، والإخوة والأخوات... وغيرهم ممن يعانون البطالة لسنوات وسنوات ويتطلعون إليه عندما يشتغل كي يساهم في إعالتهم... كما لا اخفي انني كلما سمعت خبرا عن عملية قام بها "انتحاري" او "استشهادي" في اي بلد من البلدان، الا وتذكرت عملية "الحرقان" وبالتالي البطالة والفقر. صحيح ان الذين يقومون بهذه العمليات التي تسمى "الارهاب" او ينطمونها، لا يقومون بها كلهم بدافع الفقر، ولكن صحيح ان هناك في الوضعية التي يعيشونها ما هو في معنى الفقر، وصحيح ان فيهم كثيرين ممن يطلبون "الشهادة" وبالتالي الجنة، من وراء تلك العمليات، غير اني اعتقد ان سبيل الشهادة والجنة ـ سبيلها الأصيل ـ هو ذلك الذي يواجه فيه المقاوم المستشهد العدو المحتل مواجهة جهادية حربية أما راجلا، واما فارسا، واما مبارزا او على دبابة او طائرة، أما الجهاد الذي فيه شيء من معنى "الحرقان" فلا اعتقد انه يخلو من "كاد الفقر يكون كفرا" هل تعتقد ان الفساد سينقضي بولادة حكومة جديدة بعد انتخاب المجلس التأسيسي؟ - لا يمكن ان نتوقع زوال الفساد، فقط لان حكومة اصلاحية قد تسلمت السلطة، وما دام المسؤولون يتمتعون بصلاحيات قوية تبقى حوافز الفساد.. وعلى الاصلاحيين ان يقوموا باجراءات ملموسة وليس الاكتفاء بالزعم بان العادات الراسخة سوف تتغير مع تغير المسؤول في القمة. الفساد ليس مشكلة يمكن تناولها بمعزل ولا يكفي ان يبحث القانون الجزائي عن التفاحات العفنة ويتخلص منها.. بالطبع على الدولة ان تثبت مصداقيتها من خلال معاقبة المسؤولين الفاسدين المنظورين. أسس الفساد ان الهجوم المباشر على الفساد من خلال تعزيز تطبيق القانون وكشف الموجودات والمؤسسات الخاصة لمكافحة الفساد قد لا يكون كافيا او حتى ضروريا ـ بدلا من ذلك يجب تركّز البحث في أسس الفساد لمعرفة الأسباب الكامنة وراءها فالتعميمات العامة غير ممكنة. أقدم لك أمثلة في هذا الشأن: ـ رعاية الدولة لعدد هائل من مشاريع البنية التحتية المعقدة والضخمة، وان تكلفة الفساد ليس في الرشاوى بحد ذاتها ولكن في الأعمال غير الفعالة التي تشجعها حتى لو لم يوجد دليل مباشر على حدوث الفساد فان اي دليل على موازنة غير مناسبة او تصميم خاطئ للمشاريع يجب ان يكون كافيا لالغائها، ان مثل هذا التغيير في الاتجاه يجب ان يترافق مع تحسين اجراءات الموافقة على مشاريع مستقبلية والا فان النمط قد يتكرر. ـ وجوب اصلاح الخدمة المدنية: هذه العملية تعتبر مكلفة ماليا او مؤلمة سياسيا ولكنها جزء ضروري من اية عملية اصلاح جدية فاذا سمح لرواتب الخدمة المدنية بالتدهور مقارنة برواتب القطاع الخاص، واذا بقيت التفاوتات في الرواتب ضمن جهاز الخدمة المدنية قليلة لكي تحفز الموظفين على السعي وراء الترقيات فان جهود السيطرة على الفساد الرسمي لن تنجح على الأرجح. فسياسات الاصلاح يجب ان تخفف من حجم جهاز الخدمة المدنية وتدفع رواتب محترمة لمن تبقى من الموظفين وتضع حوافز فعالة لحثهم على الأمانة والعمل بفعالية. هل القضاة قادرون على التصدي للنزاعات الأكثر اتصالا بالفساد السياسي او التي تتصل ببعض المتنفذين... وهل للقضاء مقدرة على انستنباط الاجتهادات في هذا المجال تؤول الى تطبيق قوانين استثنائية في ظروف استثنائية وفي قضايا استثنائية.. ام ان الامر يحتاج الى تدخل المشرع؟ - اتصور انه ينبغي ربما البحث على الأقل عن تقنيات قانونية على قدر من الذكاء والدقة للتوصل الى حلول في هذه المسائل تحول الى أقصى حد ممكن دون المساس بمبدإ المساواة او بفاعلية القانون او باستقلال القضاء، وقد يؤول بعضها إلى انشاء هيئة قضائية عليا تعمل في ظل قانون استثنائي يجيز اتخاذ تدابير استثنائية بالنسبة الى بعض الجرائم المرتكبة خلال العهد البائد. ما ردكم حول الاتهامات التي تعتبر ان القضاء فاسد؟ - اتهام القضاء بالفساد قد يكون ضربا من ضروب الوهم والخيال، لكن هذا لا يعني انه لا وجود لفساد في القضاء، بل هذه حقيقة ولكن لا يجب تعميمها على كافة القضاة، ذلك ان القضاة أنفسهم طالبوا بسرعة فائقة تنقية الجسم القضائي من عناصر يسيء وجودها الى العدالة والى وقار القاضي وعدالة القضاء، اذ لا يجوز ان يبقى بعضهم وهم قلة والحمد لله ومعروفون من القاصي والداني يفصلون في حقوق المواطنين وكرامتهم ويصدر الاحكام باسم الشعب التونسي. الميسورون ـ الفاسدون ولا خلاف ان القاضي "الفاسد" او الذي يعتمد على طرف سياسي يمكن ان يسهل انتشار الفساد الى اعلى مستوى، اضافة الى تخريب الاصلاحات وعندما يكون القضاء جزءا من النظام الفاسد يعمل الفاسدون والموسوون وهم مطمئنون لحصانتهم وواثقون في ان دفعة مناسبة من النقود تعالج أية مشكلة قانونية تطرأ امامهم ويتجاوز تأثير هذا الامر حدود القطاع العام ويشمل النزاعات الكاملة الخصوصية حول العقود والملكيات، اذ يتم تنظيم عقود الاعمال بطريقة غير فعالة من أجل تفادي المواجهة مع النظام القضائي ويستغل الناس العاديون بسبب افتقارهم الى الوصول الى نظام غير متغير لحل النزاع، وقد تتطور الحروب حول المناقصات حيث تتنافس الأطراف المتسابقة على دفع الرشاوى في حين يلعب القضاء المحترم والنظيف دورا هاما في مقاومة الحكومة الفاسدة والحفاظ على حكم القانون. وانا على يقين ان قضاءنا شرفاء ونزهاء فالشاذ يحفظ ولا يقاس عليه.. ولكن آه من الحرمان انه مخيف ان يطال القضاة. انهي وأقول ان الساسة في العهد البائد اعتقدوا ويعتقدون ان القضاة يجب ان يبقوا جائعين لانه اذا شبعوا سيبدأون بممارسة دورهم كسلطة دستورية مستقلة" وهل للصحافة دور في مقاومة الفساد في نظرك؟ - فضائح الفساد التي تشعلها بعض الصحف المستقلة، تساعد على تحري الاصلاح في النظام السياسي فالفضائح تعتبر فرصة لحشد الدعم من أجل اجراء تغييرات في المؤسسات. ان جلب انتباه الاعلام ضروري لاخراج الفضائح الى السطح ولكنه ليس كافيا، فكشف الأسرار يجب ان يلقى مصداقية لدى الجمهور، كما ان الجمهور نفسه يجب ان يكون مهتما بالتعبير عن الاستياء والغضب الذي يجب ان يغطى من قبل الاعلام..ومثل هذه الحركة قد تدفع الحكومة في النهاية الى تصحيح المغالطات التي تقف وراءها واعتقد ان الصحافة الحرة تستطيع ان تطلق الصيحة الجماهيرية اللازمة لزيادة الضغط من أجل الاصلاح. فيم تفكر الآن.. في خاتمة هذا اللقاء؟ - اود ان اوجه كلمة لمن أخطأ في حق هذا العشب: ربما كان افضل اشكال التسليم بصحة راي الطرف الآخر هو الاعتذار، فهذا هو الدرس الذي نتعلمه كلنا في طفولتنا لو قلت هذه الكلمة السحرية "انا اسف" فابستطاعك ان تستمر ولكن للأسف، فان معظمنا ينسى هذا الدرس حين يكبر. ان ما يريده الناس في مثل هذه المواقف.. هو ان يعترف الاخرون بانهم اخطأوا في حقهم، ولن يشعروا ابدا بالامان الا بعد ان يعترف الآخرون بخطئهم. فالاعتذار في هذه الحالة يخلق الظروف الملائمة للوصول لحل بناء يتجاوز الخلاف. ($ource : assabah 1.6.11) Admin : Un grand Salut a mon ex - enseignant universitaire Mr Moez Ben Fraj
Par : Tunisie Anti-Corruption _