dimanche 13 février 2011

TUNISIE

من مقاصد انتفاضة الشعب التونسي


عبد الرّؤوف شويخة

قد أظهر الشعب التونسي التهور والشجاعة لم يسبق لها مثيل منذ الاستقلال لتغطية حريتها وكرامتها ضد نظام استبدادي و فاسد إلى غاية الفساد. وقد هرعت أحداث الأيام الأخيرة بصفة سريعة إلى حد أن كثير من محللي السياسة و المختصين من الصحفيين فجوا فجوة بحتة.


قد أظهر الشّعب التّونسي من الجرأة و الشجاعة ما لم يسبق لهما مثيل منذ الاستقلال لاستعادة حرّيّته و كرامته ضدّ نظام استبداديّ فاسد كلّ الفساد. و لقد تسارعت أحداث الأيّام الأخيرة بصفة جعلت محللي السياسة و المختصين من الصّحفيّين يفاجئون بالنّسق الّذي اتّخذته مجريات الأحداث.

والسؤال الذي يطرح نفسه هل انتهت حقا 55 عاما من الديكتاتورية و من انتهاك الحريات؟
من الصّعب الرّدّ بصفة إيجابية عن هذا السّؤال لأنّه يجب أوّلا تعديل الدّستور التّونسي تعديلا شاملا أو تعويضه بدستور جديد وكذلك ضمان شفافيّة الانتخابات و عدم تكرار أخطاء الماضي. . و ينبغي أن يساهم لتسوية هذه الأمور كل الأطراف المعنية للشعب و ليس اللجان الخبراء فقط.

خلال بضع أيّام فقط أثبت الشّعب التّونسي قدرته على المثابرة و تحمّل مسؤوليّة مصيره. فقد استطاع بتضحية شبابه المتعطّش للحرّيّة و بدماء شهدائه التّخلّص من طاغية. و أظهر محمّد البوعزيزي لم ضحّى بحياته أنّ الظّلم و التّعسّف و الاستبداد مآلهم إلا الزّوال. فهل كان هذا الشّابّ يتوقّع أنّ هذا النّظام الّذي عانت منه العديد من الفئات المهمّشة كان سينهار بهذه السّرعة الهائلة كبيت من ورق!

لقد كتب هذا الشّعب صفحة من أجمل صفحات تاريخه. و اظهر مرة أخري قدرا من الشّجاعة و النّضج شرّفت بلادنا الّتي أهينت خلال سنوات من الدّكتاتوريّة. و قد عرف تاريخيّا هذا الشّعب بكرمه و بتسامحه العميق و بأفكاره المنفتحة و تفوّقه في العديد من الميادين الثّقافيّة و الأدبيّة و العلميّة...

و الأمثلة على ذلك كثيرة:

·ألغيت العبوديّة في تونس يوم 23 يناير 1846 من قبل أحمد باي في حين لم يتمّ إلغاؤها نهائيّا إلاّ سنة 1848 في فرنسا و سنة 1865 في الولايات المتّحدة الأمريكيّة
·في سنة 1861 تمّ اعتماد الدّستور الّذي ضمن الحرّيّة الدّينيّة و المساواة بين جميع المواطنين أمام
القانون و الضّرائب )المادّتين رقم 2 و (3 دون تمييز على أساس الجنسيّة أو الدّين أو العرق )المادّة رقم( 1


· محمد الخضر حسين و هو أصيل مدينة نفطه بالجنوب التّونسي شغل منصب شيخ الأزهر المرموق بين 1952 و 1954
·في سنة 1936 تخرّج أوّل طبيبة امرأة في العالم العربي و هي توحيدة ابن الشّيخ ابنة أخت الطّاهر بن عمّار الّذي وقّع البروتوكولات من أجل الاستقلال
·وبرز العدد الأول من صحيفة الرائد التونسي بتاريخ 22 جويلية 1860 وهي من أول المجلات السياسية والثقافية التي أنشرت في العالم الإسلامي و قد منع إصدارها من طرف الاستعمار الفرنسي من 1881 إلي 1885.
· كما ساهمت العديد من الشّخصيّات البارزة مثل خير الدّين التّونسي و سالم أبو حاجب و عبد العزيز الثّعالبي و أبو القاسم ألشابي و غيرهم في انتشار الإشعاع الثّقافي لتونس و إثبات القدرات الإبداعيّة للتّونسيّين.

نقطة تحول تاريخية:

يعيش الشّعب التّونسي إذن لحظات حاسمة في تاريخه فمستقبل ديمقراطيّتنا الوليدة يبنى اليوم في الشّارع و في النوادي و في الجامعات ...و في ظلّ هذا الحماس العامّ و الغوغائيّة يجب أن نكون يقظين و واقعيّين في جو من الاحترام المتبادل.

هذه المرّة قرّر الشّعب أنّه يريد تغييرا حقيقيا و ليس مجرّد تعديلات أو توقيعات. و لقد أرسل إلينا العديد من الإشارات.

رسالته واضحة لا لبس فيها:

* نحن لا نريد سلطة المركزية أو سلطوية في قبضة شخص واحد.
* نحن نرفض قبضة حزب حاكم على جهاز الدولة
* نريد ممثلين حقيقيين منتخبين على رأس الدولة والهيئات الحاكمة.
* نحن نريد الشفافية الكاملة في الانتخابات وفي اتخاذ القرارات.
* يجب أن نكافح و نعاقب جميع أشكال الفساد.
* ونطلب إجراءات جنائية ضد الفاسدين.

لتحقيق هذه الأهداف والتطلعات فمن المستحسن:

* تجنّب النّزعات الاستبداديّة الّتي تمثّل بدايات دكتاتوريّة قمعيّة و ذلك من خلال إيجاد معارضة تكون بمثابة قوّة ردع و توازن.
* تبنّي معارضة حقيقيّة لا صوريّة يمكن استغلالها من قبل السّلطة المركزيّة
* الشّروع في تنقيحات عاجلة للدّستور من أجل: 1) تحديد مجال صلاحيّات الرّئيس حتّى يكون مسؤولا أمام الشّعب و أمام ممثّلي الشّعب داخل البرلمان 2) الفصل بين السّلطات التّشريعيّة و التّنفيذيّة و القضائيّة حتّى يتمّ إنشاء رقابة صارمة .

كيفيّة تجنّب الوقوع في أخطاء الماضي!

و من الأجدر أن ننظر نظرة متفحّصة في الماضي و في تطوّرات الأحداث لكي نتجنّب الوقوع من جديد في هذه الأخطاء. يجب علينا "الاستفادة من رماد الزّمان القديم لإحياء شعلة المستقبل" كما قال جان جوريس. ومن المهمّ لتحديث ذاكرتنا أن نعود إلى الفترة الّتي سبقت عهد الحبيب بورقيبة.

بعد إعلان استقلال تونس يوم 20 مارس 1956 عمّت الشّعب التّونسي البهجة و الفرحة بعد أن نجح في استرجاع حرّيّته و عزّته و كرامته. و انتخب المجلس التّأسيسي بصفة ديمقراطيّة بحتة. رغم أنّ الاجتماع ضمّ داخله ممثّلين عن كلّ الحساسيّات النّقابيّة و السّياسيّة و الفكرية إلاّ أنّ حزب التّحرير "الدّستوري" فاز بجميع المقاعد. و كانت من مهامّ هذا المجلس العمل على وضع دستور عصري يرتقي لتطلّعات الشّعب. كانت المناقشات عاطفيّة تارة و ساخنة تارة أخرى و لكن سادها عموما جوّ جدّيّ و أخويّ. و لكن عند بداية النّقاش أراد بورقيبة أن يركّز الخطاب بشكل رئيسيّ على طبيعة النّظام الملكي و استنكاره الشّديد لهذا النّظام.

و من ضمن قرارات المجلس التي نعتز بها هو إصدار قانون الأحوال الشخصية، الذي الّتي أعطي للمرأة العديد من الحقوق. فقد كانت بمثابة الثّورة في العالمين العربي والإسلامي. و من الجدير بالذّكر أنّ قضيّة تحرير المرأة كانت قد طُرِحت عند خير الدّين التّونسي في كتابه "أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك" و الّذي قام بتطويره الطّاهر الحدّاد في ما بعد.

و لكن في 30 مايو 1956 صوّت المجلس التّأسيسي بإلغاء امتيازات العائلة المالكة. و قد كان لمين باي في قصره بالمرسى و لم يساهم في اتّخاذ القرارات المصيريّة بالبلاد. فحكمه أصبح صوريّا. و في زيارة رسميّة إلى تونس في فبراير 1957 صُدِم عبد العزيز بن سعود عاهل المملكة العربيّة السّعوديّة من الطّريقة الّتي كان يُعامل بها نظيره التّونسي. و كان الحبيب بورقيبة يتصرّف كرئيس حقيقي للبلاد بعدما تم تعيينه وزيرا من قبل ... الباي

كيف نشأت الدّكتاتوريّة في تونس؟

في يوم 25 يوليو 1957 في قاعة العرش بقصر باردو و أمام جمهور موالي لبورقيبة ، ندّد هذا الأخير طيلة ساعتين بالعائلة الحاكمة و اتّهمهم "بالخسّة" و "بالخيانة". و أنكر بالخصوص مساهمة الحسينيّين في الكفاح الوطني كالمنصف باي الّذي اعتقلته سلطات الاستعمار في المنفي.

و أنهى خطابه بهذه الكلمات: " إنّ الشّعب التّونسي قد بلغ من النّضج ما يمكّنه من إدارة شؤونه بنفسه. أعرف المودّة الّتي يكنّها لي هذا الشّعب. اعتقد البعض أنّني أستطيع تقرير مصيرهم. و لكن احترامي للشّعب التّونسي يجعلني لا أقبل له سيّد و الخيار الوحيد هو خيار الجمهوريّة."


هذا الكلام يتناقض تناقضا واضحا مع نفيه التّطلّع للسّلطة و عدم احترامه للشّعب التّونسي. في الواقع كان يحبّ أن يقارن نفسه بماسينيسا الذي عاش قبل الميلاد و الذي فشل في توحيد القبائل البربرية.

في يوم 25 يوليو 1957 كانت درجات الحرارة مرتفعة جدّا في تونس العاصمة. استغلّ بورقيبة فرصة غياب عدد من أعضاء المجلس و حضور الموالين له حتّى يلقي خطابا ملتهبا ضدّ دولة البايات. على إثر هذا الخطاب تمّ التّصويت بصفة متسرّعة على النّقاط التّالية:

* إزالة النظام الملكي
* إعلان بالجمهورية
* "انتخاب" بورقيبة كرئيس "موقت" لهذه الجمهورية

هكذا وُلد نظام استبدادي في تونس و أصبح الحكم تحت سلطة رجل واحد يتبوّأ حيث يشاء. هذه السّلطة جنحت بسرعة نحو الدّكتاتوريّة مع جميع انعكاساتها الطّبيعيّة : عبادة الشّخصيّة، القمع، الفساد، الظّلم ...بهذه الطّريقة سُرِقت ثمرة انتصار التّونسيّين بعد كفاحهم و نضالهم من أجل الاستقلال والكرامة. فتلاشت بسرعة آمال و أحلام و حماس هذا الشّعب. الاستقلال.
بعد هذا التّصويت أصبح الباي مواطن عادي. و على الفور تمّ القبض عليه و على أقاربه ثمّ وُضِعوا قيد الإقامة الجبريّة في منّوبة. في أغسطس 1957 تمّت مصادرة ممتلكات عائلته من قبل الدّولة. و غرقت العائلة الحسينيّة في غياهب النّسيان، و للكثير منهم في الفقر. و أصبحت زوجة الباي معوقة بسبب سوء المعاملة و التّعذيب.
هذه هي الطّريقة أللإنسانية و القاسية الّتي عوملت بها شخصيّات عريقة يعود سجلّهم التّاريخي في بلادنا إلى قبل 250 سنة. و في وقت لاحق تمّت أيضا محاربة المعارضين. هذه هي ولادة النّظام المستبد والقمعي الّذي تمّ بناؤه تدريجيّا و الّذي سيستمرّ طيلة 55 سنة.

و بدأت السّنوات الأولى من عهد بورقيبة بمقاومة المعارضين و خاصّة بتصفية حركة صالح بن يوسف و أنصاره.فانتشر في شوارع العاصمة و في المدن الأخرى عشرات أو مئات القتلى. و انتهت هذه المرحلة بقتل زعيمهم صالح بن يوسف في 12 أغسطس 1961 ربما بالتّعاون مع تواطئ السّلطات الفرنسيّة أو الألمانيّة.

كيف كان ينظر الحبيب بورقيبة إلى الشّعب التّونسي؟

يقول الحبيب بورقيبة :"إنّه لم يكن لديهم ( أي التّونسيّين ) المهارات اللاّزمة لفهم أمور الدّولة، و لا حتّى لفهم كيف يختارون الرّجال القادرة على الوفاء بمهمّتهم."

إذا سقط القناع! بعد أن أظهر الشّعب التّونسي بسالته و قدرته على الدّفاع عن كرامته بشجاعة ضدّ المستعمر الفرنسي، أصبح محتقرا و مهانا من قبل "المجاهد الأكبر".

عملية قمع اليوسفيين

و كان النّزاع الّذي وقع بين الحبيب بورقيبة و صالح بن يوسف نزاعا بالغ الأهمّيّة لفهم أعمق لهذه المرحلة من تاريخ تونس و لجميع العواقب الّتي تلت بعد ذلك: اغتيالات، محاكمات سياسيّة، رقابة، تعذيب، ... . وفي كتابهما « le syndrome autoritaire » V. Geisser et M. Camau, الّذي تناول السّياسة التّونسيّة من عهد بورقيبة إلى عهد بن علي استخدما مصطلح "مؤسّس الجريمة"مشيرا إلى اغتيال صالح بن يوسف على أيدي رجال بورقيبة.

نذكر في هذا السّياق ما ورد في كتاب عمر الخليفي ( صفحة 140 و ما يليها من كتاب "اغتيال صالح بن يوسف ":"الاختطاف من قبل المليشيات، انتشار اللّجان ، قيل لجان اليقظة، يعيثون فسادا في وضح النّهار تحت ذريعة دعم عمل الشّرطة...هذه الانتهاكات الخطيرة الّتي تقوم بها الأمانة العامّة لصالح بن يوسف و حزب الدّستور الجديد للحبيب بورقيبة في فجر تحرير وطنهم. (...) عشرات القتلى و عدد كبير من الجرحى ، هجمات يوميّة ضدّ مكاتب الحركتين المتعاديتين . النّاشطون اليوسفيّون يتعرّضون للتّعذيب في سجون خاصّة غير قانونيّة ، كالّتي كانت في بني خلاّد و الّتي أنشأها عمر شاشيّة" الّذي أصبح في وقت لاحق مفوّض حكومي لدى المحكمة العليا.

في فترة تولّي الطّيّب المهيري مهامّ وزارة الدّاخليّة بين 1956 إلى 1965 شهدت تونس مرحلة من أشدّ المراحل سوادا في تاريخها:حملة بورقيبة على خصومه، انتشار التّعذيب و القتل ... تشير نورا البرسالي في كتابها "مؤامرة ديسمبر 1962 : هل كان يجب قتلهم ؟" إلى ظروف احتجاز اليوسفيين في السّجون التّونسيّة و تنقل عن أحد المساجين قوله: "على مدى أكثر من سبع سنوات، كنّا نعيش في الظّلام ليلا و نهارا. تنقل لنا نورا البرسالي قصّة أخرى :" عز الدّين عزّوز نفسه الذي اعتقل من دون محاكمة يسرد :" ( قصّة احتجازه من قبل أجهزة أمن الدّولة في روايته "التّاريخ لا يغفر، تونس 1938 1969 (إصدارات دار أشرف ، 1988"أيقظتني صرخات الأ لم الم برح من الغرف المحيطة. أدركت بسرعة أنّ الاستجواب اللّيلي قد بدأ... لا تستطيع الكلمات وصف ماسمعته في تلك اللّيلة: التّعذيب، أنين و صراخ الأ لم، ألفاظ و صراخ لاإنساني، صوت استعمال السّوط، الخنق بالم اء، الحرق بالسّجائر، الصّعق بالكهرباء، التّعذيب بالقمامة ... لم أستطع أن أصدّق ما أسمع و لا أن أتخيّل أنّي أعيش في القرن العشرين ، في تونس الحديثة و ا لمستقلّة برئاسة بورقيبة."و قد زارهم بعض السّياسيّين منهم الطّيّب المهيري ، الباجي قائد السّبسي،محمّد فرحات ، الهادي البكّوش، الطّاهر بلخوجة و فؤاد المبزّع الّذي كان محافظ بنزرت في ذلك الوقت و الرّئيس الحالي للدّولة في الحكومة الانتقاليّة …

في كتابه " اغتيال صالح بن يوسف" يقول عمر الخليفي عن الطيب المهيري :"حسب بعض المصادر المنشورة يبدو بأن الشخصيات البارزة في اغتيال بن يوسف هم بورقيبة نفسه، وزوجته وسيلة، ومحمد المصمودي، وحسن بالخوجة و الطيب المهيري والذي لا مفر منه البشير زرق اللعيون ".

بورقيبة كان يفتخر بنفسه و صرّح علنا في خطاب تلفزيوني عن تفاصيل تنفيذ تصفية صالح بن يوسف و أنّه قام بتوسيم القتلة الّذين كانوا على "حقّ" حسب قوله.

وفي عام 1965 وصف أيضا نور الدّين بن خضر الظّروف الغير إنسانيّة الّتي تلقّاها في السّجن بعد اتّصاله مع المجموعة الضّحيّة و مع اليسار المتطرف في تونس:"وجدنا في السّجن تونس كما كانت في القرون الوسطى: أقبية، الزّي الرّسمي، القيام باحتياجاتنا الطّبيعيّة على الأرض مباشرة. كان هناك عدد من السّجناء العمي قابعين في غرف تحت الأرض منذ بدء الحملة ضدّ الانقلاب سنة 1962 . كما تمّ حرماننا لشهور من الحقوق الأساسيّة مثل زيارة الأقارب و المطالعة و المراسلات مماّ دفعنا إلى الإضراب عن الطّعام لاسترجاع احترام و حقوق المساجين ".

لقد عاني جميع المعارضين (سواء كانوا سياسيين أو نقابيين) من هذه الفظائع. هذه المعاملة السّيّئة ضدّ المعارضة بلغت ذروتها ضدّ الإسلاميّين حيث مات العشرات منهم تحت التّعذيب منذ الثّمانينات. تفاصيل فنون التّعذيب المذكورة أعلاه تعطينا نظرة بعيدة و عامّة عمّا كان يجري حقيقة على أرض الواقع.
و إثر انقلاب 7 نوفمبر 1987 و بعد فترة قصيرة أوهم فيها الشّعب بأنّها فترة انتقاليّة نحو مستقبل أفضل تسوده الدّيمقراطيّة و التّعدّديّة الحقيقيّة، تمّ تعزيز النّظام البوليسي و الاستبدادي من طرف زين العابدين بن علي مع جميع التّجاوزات المعروفة في جوّ من الفساد شمل جميع المجالات.

نحن الآن بحاجّة ماسّة إلى وضع حدّ لكلّ هذه التّجاوزات و لطيّ تلك الصفحات القاتمة الّتي أغرقتنا في ظلمتها طيلة 55 سنة من تاريخ تونس العزيزة و الغالية. يجب العودة مثلا إلى روح دستور 1861 و يجب تظافر الجهود من أجل بناء تونس جديدة تضمن ضمانا كاملا حرّيّة التّعبير لجميع التّيّارات بغضّ النّظر عن انتماء اتهم السّياسيّة و الفكرية و الاجتماعيّة. فعلينا أن نحيي تراثنا العلمي والثقافي و أن نراجع مبادي حضارتنا التي خلدت تونس و جعلتها مرموقة أمام كثير من دول العالم